عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: (أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى؛ الْعَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ، وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ؟ قَالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا). (صحيح مسلم، كتاب صلاة العيدين، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة، مفارقات للرجال)
معاني مفردات الحديث
العاتق: الجارية حين تُدرك، وعتقَت أي أدركت. وقال ابن دريد: عتقت الجارية صارت عاتقاً إذا أوشكت البلوغ. (إكمال المعلم شرح صحيح مسلم:3/163-164)
والخدور جمع الخدر، قال الجزري في النهاية: الخدر ناحية في البيت يترك عليها ستر، فتكون فيه الجارية البكر.
(وَالْحُيَّضَ) بضم الحاء، وتشديد الياء المفتوحة، جمع حائض. (تحفة الأحوذي:3/74)
العيد
العيد مشتقٌّ من العود؛ لأنه يعود كلَّ سنة، ونقل عن النحويُّين قولهم: (يوم العيدِ؛ لأنَّه يعود بالفَرَحِ والسُّرورِ، فهو يَوْمُ سُرُورِ الخَلْقِ كلهم). (اللباب في علوم الكتاب:7/609)
وذكر العيد في القرآن الكريم على لسان نبي الله عيسى، عليه السلام، تبريراً لطلبه من الله أن ينزل الله عليهم مائدة من السماء، فقال تعالى: { قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (المائدة:114)
يبين ابن عاشور مَعْنَى: {تَكُونُ لَنا عِيداً} أَيْ يَكُونُ تذكر نزولها بأن يجعلوا اليوم الموافق يوم نزولها من كل سنة عيداً، فإسناد الكون {تَكُونُ لنا عيداً} للمائدة إسناد مجازي، وإنما العيد اليوم الموافق ليوم نزولها، ولذلك قال: {لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا}، أي لأول أمة النصرانية وآخرها.
والعيد اسم ليوم يعود كل سنة، ذكرى لنعمة أو حادثة وقعت فيه للشكر أو للاعتبار. (التحرير والتنوير:7/108)
والناس بشكل عام لهم أعياد سنوية وموسمية، يحتفلون فيها بمناسبات معينة، وشرع للمسلمين عيدان، هما الفطر والأضحى، فعن أنس، قال: (قَدِمَ رسولُ الله، صلَّى الله عليه وسلم، المدينةَ ولهم يَوْمَانِ يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومَان؟ قالوا: كنا نلعبُ فيهما في الجاهلية، فقال رسولُ الله، صلَّى الله عليه وسلم: إنَّ الله قَدْ أبدَلَكُم بهما خَيرَاً مِنهما: يَومُ الأضحى، ويَومُ الفِطرِ) (سنن أبي داود، تفريع أبواب الجمعة، باب صلاة العيدين، وصححه الألباني)
ومن القرائن الشرعية المؤيدة لإقرار تميز العيد بالسرور، النهي الشرعي عن صيام أيام العيدين، ففي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (وَلاَ صَوْمَ في يَوْمَيْنِ الفِطْرِ وَالأَضْحَى). (صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب صوم يوم النحر)
وحديث أم عطية المثبت نصه أعلاه يعلل الأمر بإخراج النساء في العيدين وذلك حتى يشهدن الخير، فالعيد الذي يتسم جوه بالسرور، وأجواؤه بالبهجة، مناسبة في الإسلام للحصول على الخير، فعيد الفطر تختم به عبادة الصوم، وعيد الأضحى يتخلل عبادة الحج، وفيه تُقدم الأضاحي قربات لله تعالى، وتستذكر قصة فداء إسماعيل، عليه السلام، بذبح عظيم.
ويبين محمد فؤاد عبد الباقي معنى(ويشهدن الخير ودعوة المسلمين) أي يحضرن مجالس الخير، كسماع العلم، ويحضرن دعوة المسلمين، أي دعاءهم كاستسقائهم. (صحيح مسلم، كتاب صلاة العيدين، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة، مفارقات للرجال)
يخرجن ليَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ
لأن السرور المشروع مناسبة خير، فقد توسع نطاق الحث على الخروج لحضور صلاة العيد، والانتفاع من خيرها؛ ليشمل عباد الله كافة، صغيرهم وكبيرهم، رجالهم ونسائهم، ولم تحجب صاحبات الأعذار الشرعية؛ كالحيض من الانتفاع من هذا الخير، وبلغ حد التشجيع على حضور صلاة العيد، أن وُجهت التي لا تجد جلباباً لديها تذهب به إلى مصلى العيد، لتستعير جلباباً من أختها أو جارتها أو قريبتها أو صديقتها، فعَنْ حَفْصَةَ، قَالَتْ: (كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فِي العِيدَيْنِ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ، فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا، وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتٍّ، قَالَتْ: كُنَّا نُدَاوِي الكَلْمَى، وَنَقُومُ عَلَى المَرْضَى، فَسَأَلَتْ أُخْتِي النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لاَ تَخْرُجَ؟ قَالَ: لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، وَلْتَشْهَدِ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ، سَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: بِأَبِي، نَعَمْ، وَكَانَتْ لاَ تَذْكُرُهُ إِلَّا قَالَتْ: بِأَبِي، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَخْرُجُ العَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الخُدُورِ، أَوِ العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ، وَالحُيَّضُ، وَلْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ، وَيَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى، قَالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ الحُيَّضُ؟! فَقَالَتْ: أَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ، وَكَذَا وَكَذَا؟!). (صحيح البخاري، كتاب الحيض، باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين، ويعتزلن المصلى)
يبين النووي أن الجلباب ثوب أقصر وأعرض من الخمار، وهي المقنعة تغطي به المرأة رأسها، وقيل: هو ثوب واسع دون الرداء، تغطى به صدرها وظهرها، وقيل: هو كالملاءة والملحفة، وقيل: هو الإزار، وقيل: الخمار. وفي قوله، صلى الله عليه وسلم: (لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا) حث على حضور العيد لكل أحد، وعلى المواساة والتعاون على البر والتقوى. ومعناه أي لتلبسها جلباباً لا تحتاج إليه عارية. (صحيح بمسلم شرح النووي: 6/180)
حكم خروج النساء للعيدين
بين القاضي عياض أن السلف اختلفوا في خروج النساء للعيدين، فرأى ذلك جماعة حقاً عليهن، منهم أبو بكر وعلي وابن عمر وغيرهم، ومنهم من منعهن ذلك جملة، منهم عروة والقاسم، ومنع ذلك بعضهم في الشابة دون غيرها، منهم عروة، والقاسم، وهو مذهب مالك وأبي يوسف، واختلف قول أبي حنيفة في ذلك، فأجازه مرة في العيدين، ومنعه أخرى.
قال الطحاوي: كان الأمر بخروجهن أؤَل الإسلام لتكثير المسلمين في أعين العدو، وقال غيره: فليس النساء مما يرهب بهن العدو. (إكمال المعلم شرح صحيح مسلم:3/298)
ونميل إلى تشجيع النساء للخروج إلى العيد، عملاً بالسنة الثابتة عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، مع مراعاة التقيد بالضوابط الشرعية الخاصة بخروج النساء من بيوتهن، فيحرم عليهن الخروج متبرجات أو متطيبات بالعطور وغيرها، وتفلت بعضهن من هذه الضوابط لا يسوغ التوجه لمنع النساء من العمل بسنة حث عليها الرسول، صلى الله عليه وسلم، والمتمثلة بخروج النساء للعيد ليشهدن الخير مع المسلمين.
وعظ النساء يوم عيد
الرسول الأسوة، صلى الله عليه وسلم، استثمر يوم العيد للخير بوعظ النساء فيه، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ؛ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا). (صحيح البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم)
يبين العيني أن قوله: (خرج رسول الله) يعني خرج إما من بيته أو من مسجده، وقوله: (في أضحى) أي في يوم أضحى، (أو فطر) أي أو يوم فطر، وهو يوم عيد الفطر، والشك من الراوي، وقوله: (إلى المصلى) هو موضع صلاة العيد في الجبانة(*)، وقوله: فقال: (يا معشر النساء) المعشر الجماعة متخالطين كانوا أو غير ذلك، قال الأزهري: أخبرني المنذر عن أحمد بن يحيى قال: المعشر والنفر والقوم والرهط هؤلاء معناهم الجمع، لا واحد لهم من لفظهم، وعن الليث: المعشر كل جماعة أمرهم واحد، وهذا هو الظاهر. (عمدة القاري:3/270)
استجابة نسائية فورية للموعظة
في رواية متصلة بهذا الحديث: (ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ، جَاءَتْ زَيْنَبُ- امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ- تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ زَيْنَبُ، فَقَالَ: أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ فَقِيلَ: امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: نَعَمْ، ائْذَنُوا لَهَا، فَأُذِنَ لَهَا، قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّكَ أَمَرْتَ اليَوْمَ بِالصَّدَقَةِ، وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ). (صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب)
فزينب زوج عبد الله بن مسعود لما سمعت موعظة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع النساء الحاضرات، قررت التصدق من مالها في سبيل الله، وكون زوجها كان فقيراً استوضحت عن حكم التصدق من مالها عليه، فأجابها عليه الصلاة والسلام، ليس بالجواز فحسب، بل بزيادة المثوبة والأجر، وقال لها: (زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ).
وهذه الاستجابة الفورية للموعظة ينبغي أن تكون ديدن المسلمين والمسلمات حين يُذكَّرون بالخير وفعله، فالله تعالى أمر بالمسارعة إلى المغفرة، فقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران:133) وقال سبحانه: { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ...} (البقرة:148) وأثنى الله على الذين يسارعون في الخيرات، فقال جل شأنه: { يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} (آل عمران:114) فالمطلوب تفاعل حقيقي وفاعل مع المواعظ، دون تسويف أو تأجيل للتنفيذ والعمل، فلا يدري المرء هل سيدرك فرصة قادمة لعمل الخير غير التي أتيحت له أم لا يدرك.
والعيد موسم من مواسم الخير والسرور، ينبغي بذل الوسع للمسارعة في استثماره لجني الخير منه، في ضوء هدي خاتم النبيين محمد، صلى الله وسلم عليه، وعلى آل بيته الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
* الجَبَّانَة مَا اسْتَوَى من الأَرْض ومَلُسَ وَلَا شَجَر فِيهِ، وَفِيه آكامٌ وجِلاهٌ، وَقد تكون مستويةٌ لَا آكامَ فِيهَا وَلَا جِلاه، وَلَا تكونُ الجَبَّانَةُ فِي الرَّمْل وَلَا فِي الْجَبَل، وَقد تكون فِي القِفاف والشَّقائق، وكل صحراءَ جَبَّانة. (تهذيب اللغة: 11/ 85)
28 رمضان 1446هـ